فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {الذين كَذَّبُواْ شُعَيْبًا}.
فيه خمسة أوجه:
أحدها: أن هذا الموصول في محل رفع بالابتداء وخبره الجملة التشبيهية بعده.
قال الزمخشري: وفي هذا الابتداء معنى الاختصاص، كأنه قيل: الذين كذبوا شعيبًا هم المخصوصون بأن أهْلِكوا واستُؤصلوا كأن لم يُقيموا في دارهم؛ لأن الذين اتبعوا شعيبًا قد أنجاهم الله تعالى.
قال شهاب الدين: قوله: يفيد الاختصاص هو معنى قول الأصوليين: يفيد الحصر على خلاف بينهم في ذلك إذا قلت: زيد العالمن والخلاف في قولك: العالم زيد أشهرُ منه فيما تقدَّم فيه المبتدأ.
الثاني: أن الخبر هو نفس الموصول الثاني وخبره، فإن الموصول الثاني مبتدأ والجملةُ من قوله: {كانوا هم الخاسرين} في محل رفع خبرًا له، وهو وخبره خبر الأول، و{كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ}: إمَّا اعتراض، وإمَّا حال من فاعل {كذَّبوا}.
الثالث: أن يكون الموصولُ الثاني خبرًا بعد خبر عن الموصول الأول، والخبر الأول الجملة التشبيهية.
الرابع: أن يكون الموصول الثاني بدلًا من قوله: {وَقَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ} [الأعراف: 90] فكأنه قال: {وقال الذين كفروا منهم الذين كذّبوا شعيبًا} وقوله: {لئن اتبعتم شعيبًا} معمول للقول فليس بأجنبي.
الخامس: أنه صفة له، أي: للذين كفروا من قومه.
هذه عبارة عن أبي البقاء، وتابعه أبو حيان عليها، والأحسن أن يقال: بدلٌ من الملأ أو نعت له؛ لأنه هو المحدَّثُ عنه والموصول صفة له، والجملة التشبيهية على هذين الوجهين حال من فاعل {كذَّبوا}.
وأمّا الموصول الثاني فقد تقدم أنه يجوز أن يكون خبرًا باعتبارين: أعني كونه أول أو ثانيًا، ويجوز أن يكون بدلًا من فاعل {يغنوا} أو منصوبًا بإضمار أعني أو مبتدأ وما بعده الخبر.
وهذا هو الظاهر لتكون كل جملة مستقلة بنفسها، وعلى هذا الوجه ذكر الزمخشري أيضًا أن الابتداء يفيد الاختصاص قال: أي هم المخصوصون بالخسران العظيم دون أتباعه، وقد تقدَّم موضحًا.
قوله: {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا} يغنون: بمعنى يقيمون يقال: غَنِي بالمكان يَغْنى فيه أي: أقام دهرًا طويلًا، والمغاني المنازل التي كانوا فيها واحدها مغنى، وقيَّده بعضهم بالإقامة في عيش رغد، فهو أخصُّ من مطلق الإقامة؛ قال الأسَودُ بْنُ يَعْفُرَ: [الكامل]
وَلَقَدْ غَنَوْا فِيهَا بأنْعَمِ عِيشَةٍ ** فِي ظِلِّ مَلْكٍ ثَابتِ الأوْتَادِ

وقيل: معنى اآية هنا من الغِنَى الذي هو ضد الفقر، قاله الزجاج وابن الأنباري وتابعهما ابن عطية؛ وأنشدوا: [الطويل]
غَنِيَا زَمَانًا بالتَّصَعْلُك والغِنَى ** كما الدَّهرُ في أيَّامِهِ العُسْرُ واليُسْرُ

كَسَبْنَا صُرُوفَ الدَّهْرِ لِينًا وغلْظَةً ** وكُلًا سَقَانَاهُ بِكأسمهما الدَّهْرُ

قالوا: معناه استغنينا ورضينان فمعنى {كأن لم يغنوا فيها} كأن لم يعيشوا فيها مستغنين.
قال ابن الخطيب: فعلى هذا التفسير شبّه الله تعالى حال هؤلاء المكذبين بحال من من لم يكن قط في تلك الديار قال الشاعر: [الطويل]
كأن لم يَكُنْ بَيْنَ الحجون إلى الصفا ** أنيس ولم يسمر بمكة سامر

بَلَى نَحْنُ كُنَّا أهْلَهَا فأبَادَنَا ** صُرُوفُ اللَّيَالِي والحُدُودُ العَواثِرُ

وقدّر الراغب غني بمعنى الإقامة بالمكان إلى معنى الغنى الذي هو ضد الفقر فقال: وغني في مكان كذا إذا طال مقامه فيه مُسْتَغْنِيًا به عن غيره. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآيات:
قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ فَأَخذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا في دَارِهِمْ جَاثِمِينَ}.
تواصوا فيما بينهم بتكذيب نبيِّهم، وأشار بعضهم باستشعار وقوع الفتنة بمتابعته، وكانوا مخطئين في حكمهم، مبطلين في ظنهم، فعُلِمَ أنَّ كل نصيحة لا يجب قبولها، وكل إشارة لا يَحْسُنُ اتباعُها.
قوله تعالى: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا} كانت لهم غلبتهم في وقتهم، ولكن لما اندرست أيامُهم سَقَطَ صِيتُهم، وخمد ذكرهم، وانقشع سحابُ مَنْ تَوَهَّم أنَّ منهم شيئًا.
قوله جلّ ذكره: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الخَاسِرِينَ}.
الحقُّ غالِبٌ في كل أمر، والباطل زاهق بكل وصف، وإذا كانت العِزَّةُ نعتَ مَنْ هو أزليُّ الوجود، وكان الجلال حقَّ مَنْ هو المَلِك فأي أثر للكثرة مع القدرة؟ وأي خطر للعلل مع الأزل؟ ولقد أنشدوا في قريبٍ من هذا:
استقبلني وسيفه مسلول ** وقال لي واحدنا معذول

. اهـ.

.تفسير الآية رقم (93):

قوله تعالى: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما صارت تلك الدار محل الغضب، سبب ذلك أن هاجر عنها كما كانت عادة من قبله من الأنبياء عليهم السلام، فقال: {فتولى عنهم} بعد نزول العذاب وقبله عند رؤية مخايله ذاهبًا إلى مكان غيره، يعبد ربه فيه {وقال} متأسفًا على ما فاته من هدايتهم {يا قوم} أي يا عشيرتي وأقرب الناس إليّ {لقد أبلغتكم} ولعله جمع لأجل كثرة ما أتاهم به من المعجزات فقال: {رسالات ربي} أي المحسن إليّ بإنجائي ومن تبعني من عذابكم لتوفيقه لنا إلى ما يرضيه {ونصحت} أي وأوقعت النصح {لكم} أي خاصة.
ولما كان هذا مفهمًا لما طبع البشر من الأسف أهله وعشيرته، سبب عنه منكرًا على نفسه قوله: {فكيف آسى} أي أحزن حزنًا شديدًا {على قوم كافرين} أي عريقين في الكفر، فعرف أنه أسف عليهم من أجل قربهم وفوات الإيمان لهم غير آسف عليهم من أجل كفرهم، وتخصيص تكرير هذه القصص الخمس على هذا الترتيب في كثير من سور القرآن- دون قصة إبراهيم عليه السلام وهو أعظمهم- لانتظامهم في أنهم أقرت أعينهم بأن رأوا مصارع من خالفهم، وأما إبراهيم عليه السلام فإنه وقع النص في قوله: {إني ذاهب إلى ربي سيهدين} [الصافات: 99] بأنه خرج من بين قومه قبل عذابهم ولم يسلك به سبيلهم في إقرار عينه بإهلاك من كذبه بحضرته، وهو أفضلهم لأن الكائن في قصته أعظم في الأفضلية، وهو طبق ما اتفق لولده أفضل البشر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وانظر إلى قوله تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} [الأنفال: 33] تعرف ما في هذا المقام من الإكرام، وأن الأمر كما قيل: لعين تجازى ألف عين وتكرم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم قال تعالى: {فتولى عَنْهُمْ}.
واختلفوا في أنه تولى بعد نزول العذاب بهم أو قبل ذلك، وقد سبق ذكر هذه المسألة.
قال الكلبي: خرج من بين أظهرهم، ولم يعذب قوم نبي حتى أخرج من بينهم.
ثم قال: {فَكَيْفَ ءاسى على قَوْمٍ كافرين} الأسى شدة الحزن.
قال العجاج:
وانحلبت عيناه من فرط الأسى.. إذا عرفت هذا فنقول: في الآية قولان:
القول الأول: أنه اشتد حزنه على قومه، لأنهم كانوا كثيرين، وكان يتوقع منهم الاستجابة للإيمان، فلما أن نزل بهم ذلك الهلاك العظيم، حصل في قلبه من جهة الوصلة والقرابة والمجاورة وطول الألفة.
ثم عزى نفسه وقال: {فَكَيْفَ ءاسى على قَوْمٍ كافرين} لأنهم هم الذين أهلكوا أنفسهم بسبب إصرارهم على الكفر.
والقول الثاني: أن المراد لقد أعذرت إليكم في الإبلاغ والنصيحة والتحذير مما حل بكم، فلم تسمعوا قولي، ولم تقبلوا نصيحتي {فَكَيْفَ ءاسى على قَومٍ كافرين} يعني أنهم ليسوا مستحقين بأن يأسى الإنسان عليهم.
قال صاحب الكشاف: وقرأ يحيى بن وثاب {فَكَيْفَ إسى} بكسر الهمزة. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {فتولى عَنْهُمْ} يعني أعرض عنهم حين خرج من بين أظهرهم {وَقَالَ يأَ قَوْمٌ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رسالات رَبّى} في نزول العذاب {وَنَصَحْتُ لَكُمْ} وقد ذكرناه {فَكَيْفَ ءاسى على قَوْمٍ كافرين} أي كيف أحزن بعد النصيحة على قوم إن عذبوا. اهـ.

.قال الثعلبي:

{فتولى} أعرض {عَنْهُمْ} شعيب بن شامخ من أظهرهم حين أتاهم العذاب {وَقَالَ ياقوم لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى} أحزن {على قَوْمٍ كَافِرِينَ} حين يُعذّبون، يقال: آسيتم آسي أسىً. قال الشاعر:
آسيت على زيد ولم أدر ما فعل ** والأسى الحزن والأسى الصبر

. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي} إلى آخر الآية.
كلام يقتضي أن {شعيبًا} عليه السلام وجد في نفسه لما رأى هلاك قومه حزنًا وإشفاقًا إذ كان أمله فيهم غير ذلك، فلما وجد ذلك طلب أن يثير في نفسه سبب التسلي عنهم والقسوة عليهم فجعل يعدد معاصيهم وإعراضهم الذي استوجبوا به أن لا يتأسف عليهم، فذكر أنه بلغ الرسالة ونصح، والمعنى فأعرضوا وكذبوا، ثم قال لنفسه لما نظرت في هذا وفكرت فيه {فكيف آسى} على هؤلاء الكفرة، ويحتمل أن يقول هذه المقالة على نحو قول النبي صلى الله عليه وسلم لأهل قليب بدر، وقال مكي: وسار شعيب بمن معه حتى سكن مكة إلى أن ماتوا بها، و{آسى}: أحزن، وقرأ بن وثاب وطلحة بن مصرف والأعمش: {إيسى} بكسر الهمزة وهي لغة كما يقال أخال وأيمن، قال عبد الله ابن عمر لا أخاله، وقال ابنه عبد الله بن عبد الله بن عمر في كتاب الحج لا أيمن وجميع ذلك في البخاري، وهذه اللغة تطرد في العلامات الثلاث، همزة التكلم ونون الجماعة وتاء المخاطبة، ولا يجوز ذلك في ياء الغائب كذا قال سيبويه، وأما قولهم من جل يجل فلعله من غير هذا الباب. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {فتولى عنهم}.
فيه قولان:
أحدهما: أعرض.
والثاني: انصرف.
{وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي}.
قال قتادة: أسمع شعيب قومَه، وأسمع صالح قومَه، كما أسمع نبيكم قومَه يوم بدر؛ يعني: أنه خاطبهم بعد الهلاك.
{فكيف آسى} أي: أحزن.
وقال ابن اسحاق: أصاب شعيبًا على قومه حزنٌ شديد، ثم عاتب نفسه، فقال: كيف آسى على قوم كافرين. اهـ.